إمكانيات نبات القطن البيئية

إمكانيات نبات القطن البيئية

 

الأستاذ المساعد الدكتور عبدالصمد هاشم نعمان

أستاذ تكنلوجيا الالياف في جامعة الانبار

قسم المحاصيل الحقلية- كلية الزراعة

شهر اب، 2025

لم تعد زراعة محصول القطن (Gossypium hirsutum L.) مقتصرة على أهميته الاقتصادية كمحصول صناعي مهم عالميا، بل يستخدم لأغراض مهمة أخرى. تستخدم الياف هذا المحصول كمادة أولية في العديد من الصناعات كصناعة الغزل والنسيج إذ تشكل 85-90 % من إنتاج الألياف عالمياً وتمثل نسبة الالياف حوالي 35% من وزن القطن الزهر، كما تعد بذوره مصدرا للزيوت النباتية الهامة والتي تدخل في بعض الصناعات والتي تتراوح بين 18- 26% من وزن البذور. بالإضافة إلى إمكانية استخدام كسبة بذوره في تصنيع الأعلاف لاحتوائها على نسبة من البروتين تتراوح من 32- 36 %. ويستخدم هذا المحصول لمزاياه الجيدة من حيث النمو في المعالجة الحيوية للترب الملوثة بمختلف الملوثات البيئية الضارة وكذلك يستخدم كمستودع للكربون لمواجهة التغير المناخي.

أدت زيادة اعداد السكان الى التوسع العمراني والصناعي وبالتالي زيادة الضغط على البيئية من حيث الاستهلاك المائي وزيادة الملوثات المختلفة كالمعادن الثقيلة وغيرها.  كذلك يؤثر التلوث على بناء التربة وصحتها اذ تحتوي على كائنات حية دقيقة متنوعة تعمل على توفير العناصر الغذائية للنبات. لهذا يمثل تلوث التربة قلقا بيئيا كبيرا بسبب انتشار النفايات الصناعية والحضرية الناتجة عن الأنشطة البشرية. ومن مصادر التلوث أيضا، الاستخدام الخاطئ في الممارسات الزراعية كاستعمال الأسمدة المعدنية والمبيدات بشل مفرط دون اتباع الأساليب العلمية. كما ان للحروب تأثيرا سلبيا من خلال زيادة مخاطر التلوث في المناطق التي تعاني من الحروب. ومن مخاطر الملوثات الرئيسية تأثيرها على صحة الانسان من خلال دخولها الى السلسلة الغذائية سواء عن طريق النبات او الحيوان.

تساهم انبعاثات الكربون في التغيرات المناخية والتي لها عواقب وخيمة على النظم البيئية المختلفة، اذ تشكل غازات الكربون ما يزيد عن 80% من غازات الاحتباس الحراري والتي تسبب حبس الطاقة الشمسية في الغلاف الجوي وهذا يؤدي بدوره الى رفع درجة حرارة الكوكب مؤثرا بذلك على موعد زراعة ونمو وانتاجية المحاصيل الزراعية. ان من الأسباب الرئيسة لانبعاث الكربون الى الجو هي كثرة المركبات (السيارات الخاصة ووسائط النقل) والتي ازدادت بشكل ملفت في السنوات الخمس الأخيرة. بالإضافة الى الغازات المنبعثة من المصانع الخاصة والحكومية التي أيضا ازدادت في العراق. عموما يساهم الفحم بنسبة 43% من انبعاثات الكربون الى الجو ويليه قطاع النفط بنسبة 36% ثم الغاز الطبيعي بنسبة 20%. يذكر ان تصنيع الأسمنت مثلا يطلق حوالي 900 كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون في الجو لكل طن من الأسمنت، كما يتسبب إنتاج الحديد الصلب بانبعاثات كبيرة، كذلك صناعة البتروكيماويات تلعب دور هام في إطلاق الكربون. ومن المصادر المهمة التي لا يمكن اغفالها هو زيادة تجريف الغابات والزحف العمراني على المناطق الزراعية والذي بدورة يقلل من امتصاص الكربون من الجو. بناءاً على ما تم ذكره يتبين ان التلوث بجميع اشكاله وزيادة انبعاثات الكربون يعد من أكبر التحديات التي تواجه النظم الطبيعية والتي تتطلب حلولا مستدامة ومتوافقة مع الطبيعة.

ومن هنا تبرز المعالجة النباتية الحيوية (Phytoremediation) باعتبارها حلًّا مبتكرًا ومستدامًا، يستفيد من قدرة بعض النّباتات على امتصاص الملوثات؛ مما يجعلها وسيلة طبيعية صديقة للبيئة وأقل تكلفة لتنقية البيئة دون الحاجة إلى تدخلات كيميائية مكثفة ، اذ تمتاز النّباتات بقدرتها على تحسين جودة الهواء، وإنتاج الأكسجين، بالإضافة الى ان بعض الأنواع النباتية تمتلك قدرة فريدة على امتصاص المعادن الثقيلة والعناصر النادرة من التربة والمياه، ثم تخزينها داخل أنسجتها أو تحويلها إلى مركّبات أقل ضررًا، وتعتمد هذه العملية على آليات حيوية معقدة، تجعل من النّباتات أداة طبيعية فعالة لإزالة الملوثات البيئية. وهذا بدوره يحقق الهدف الثالث عشر من اهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة (العمل المناخي Climate Action).

تبرز أهمية نبات القطن بامتلاكه جذور وتدية متعمقة وكتلة حيوية (Biomass) كبيرة بالإضافة الى طول مدة نموه في الحقل والتي قد تصل الى ثمانية أشهر، الامر الذي يجعله من أكثر النباتات ملاءمة في المعالجة الحيوية (Phytoremediation). وقد بينت الدراسات أن نباتات القطن تتحمل تراكيز عالية من المعادن الثقيلة، لا سيما الكادميوم، ويخزن المعادن في أجزائه دون أن يدخل إلى السلسلة الغذائية، مما يجعله خيارًا بيئيًا واقتصاديًا لمعالجة التربة الملوثة حيويا. بالإضافة الى اتباعه طرق متعددة للمعالجة الحيوية نذكر منها:

-        الاستخلاص النباتي Phytoextraction والتي يراكم فيها النبات الملوثات في المجموع الخضري.

-        الترشيح الجذري Rhizo-filtration والتي يزيل بها النبات الملوثات من المياه.

-        التثبيت النباتي potabilization والتي من خلالها تقل حركة الملوثات بالتربة

-        التحلل النباتي Phytodegradation اذ يتم تكسير المركبات العضوية الى مركبات غير ضارة او اقل ضررا من خلال الانزيمات.

-        التبخير النباتي phytovolatilization من خلال تحويل بعض الملوثات الى غازات اقل ضررا.

وبفضل الكتلة الحيوية الكبيرة لنباتات القطن (الكتلة الخضرية والكتلة الجذرية) وطول موسم نموه وقابليته على النمو في مدى واسع من الترب لتحمله ظروف الجفاف والحرارة والملوحة بالإضافة الى إمكانية استخدامه في الدورات الزراعية ونظم الزراعة المتداخلة، يعد هذا المحصول من المحاصيل البارزة التي يمكن ان تستخدم كصائد للكاربون وتخزينه في انسجته. وعليه يمكن لنباتات القطن ان تسهم في تخفيف أثر انبعاثات غازات الكربون ودعم التوازن البيئي متماشيا مع اهداف التنمية المستدامة.

بالإضافة الى الدور المهم في النظام البيئي فان زراعة القطن تلاقي عالميا اهتماما كبيرا لتحوله الى ممارسات أكثر استدامة مثل الادارة المتكاملة للأمراض والحشرات وتقنيات الري الحديثة والزراعة العضوية وهذا بدوره يقلل البصمة الكربونية ويحسن صحة التربة، ورغم انه يمثل بما يقدر 1.4% من الإنتاج العالمي، الا ان التوجه نحو زراعة هذا المحصول وتطويره يتزايد لما له فوائد بيئية واقتصادية. وهنا تجدر الإشارة الى ان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية ترعى البرنامج الوطني لتطوير زراعة القطن لدور هذا النبات بيئيا واقتصاديا.